فصل: ترجمة الحلاج

مساءً 2 :43
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة إحدى وثلاثمائة

فيها‏:‏ غزا الحسين بن حمدان الصائفة، ففتح حصوناً كثيرة من بلاد الروم، وقتل منها أمماً لا يحصون كثرة‏.‏

وفيها‏:‏ عزل المقتدر محمد بن عبيد الله عن وزارته، وقلدها عيسى بن علي، وكان من خيار الوزراء وأقصدهم للعدل والإحسان واتباع الحق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 137‏)‏

وفيها‏:‏ كثرت الأمراض الدموية ببغداد في تموز وآب، فمات من ذلك خلق كثير من أهلها‏.‏

وفيها‏:‏ وصلت هدايا صاحب عمان، ومن جملتها بغلة بيضاء، وغزال أسود‏.‏

وفي شعبان منها‏:‏ ركب المقتدر إلى باب الشماسية على الخيل ثم انحدر إلى داره في دجلة - وكانت أول ركبة ركبها جهرة للعامة -‏.‏

وفيها‏:‏ استأذن الوزير علي بن عيسى الخليفة المقتدر في مكاتبة رأس القرامطة أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي، فأذن له، فكتب كتاباً طويلاً، يدعوه فيه إلى السمع والطاعة، ويوبخه على ما يتعاطاه من ترك الصلاة، والزكاة، وارتكاب المنكرات، وإنكارهم على من يذكر الله ويسبحه ويحمده، واستهزائهم بالدين واسترقاقهم الحرائر، ثم توعده بالحرب وتهدده بالقتل، فلما سار بالكتاب نحوه قتل أبو سعيد قبل أن يصله قتله بعض خدمه، وعهد بالأمر من بعده لولده سعيد فغلبه على ذلك أخوه أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد، فلما قرأ كتاب الوزير أجابه بما حاصله‏:‏ إن هذا الذي تنسب إلينا مما ذكرتم لم يثبت عندكم إلا من طريق من يشنع علينا، وإذا كان الخليفة ينسبنا إلى الكفر بالله فكيف يدعونا إلى السمع والطاعة له‏؟‏

وفيها‏:‏ جيء بالحسين بن منصور الحلاج إلى بغداد، وهو مشهور على جمل وغلام له راكب جملاً آخر، ينادي عليه‏:‏ أحد دعاة القرامطة فاعرفوه، ثم حبس ثم جيء به إلى مجلس الوزير فناظره، فإذا هو لا يقرأ القرآن، ولا يعرف في الحديث ولا الفقه شيئاً ولا في اللغة ولا في الأخبار ولا في الشعر شيئاً‏.‏

وكان الذي نقم عليه‏:‏ أنه وجدت له رقاع يدعو فيها الناس إلى الضلالة والجهالة بأنواع من الرموز، يقول في مكاتباته كثيراً‏:‏ تبارك ذو النور الشعشعاني‏.‏

فقال له الوزير‏:‏ تعلمك الطهور والفروض أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها، وما أحوجك إلى الأدب‏.‏

ثم أمر به فصلب حياً صلب الإشتهار لا القتل، ثم أنزل فأجلس في دار الخلافة، فجعل يظهر لهم أنه على السنة، وأنه زاهد، حتى اغتر به كثير من الخدام وغيرهم من أهل دار الخلافة من الجهلة، حتى صاروا يتبركون به ويتمسحون بثيابه‏.‏

وسيأتي ما صار إليه أمره حين قتل بإجماع الفقهاء وأكثر الصوفية‏.‏

ووقع في هذه السنة في آخرها‏:‏ ببغداد وباء شديد جداً مات بسببه بشر كثير، ولا سيما بالحربية غلقت عامة دورها‏.‏ وحج بالناس فيها الأمير المتقدم ذكره‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

إبراهيم بن خالد الشافعي

جمع العلم والزهد، وهو من تلاميذ أبى بكر الإسماعيلي‏.‏

جعفر بن محمد

ابن الحسين بن المستفاض أبو بكر الفريابي، قاضي الدينور، طاف البلاد في طلب العلم، ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 138‏)‏ وسمع الكثير من المشايخ الكثيرين، مثل قتيبة وأبى كريب وعلي بن المديني، وعنه أبو الحسين بن المنادي والنجاد وأبو بكر الشافعي وخلق، واستوطن بغداد وكان ثقة حافظاً حجة، وكان عدة من يحضر مجلسه نحواً من ثلاثين ألفاً، والمستملون عليه منهم فوق الثلاثمائة، وأصحاب المحابر نحواً من عشرة آلاف‏.‏

توفي في المحرم منها عن أربع وتسعين سنة، وكان قد حفر لنفسه قبراً قبل وفاته بخمس سنين، وكان يأتيه فيقف عنده‏.‏

ثم لم يقض له الدفن فيه بل دفن بمكان آخر‏.‏

رحمه الله حيث كان‏.‏

أبو سعيد الجنابي القرمطي

وهو الحسن بن بهرام قبحه الله رأس القرامطة، والذي يعول عليه في بلاد البحرين وما والاها‏.‏

‏(‏علي بن أحمد الراسبي‏)‏كان يلي بلاد واسط إلى شهر زور وغير ذلك، وقد خلف من الأموال شيئاً كثيراً، فمن ذلك ألف ألف دينار، ومن آنيه الذهب والفضة نحو مائة ألف دينار، ومن البقر ألف ثور، ومن الخيل والبغال والجمال ألف رأس‏.‏

محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن أبي الشوارب

يعرف بالأحنف، كان قد ولي قضاء مدينة المنصور نيابة عن أبيه حين فلج، مات في جمادى الأولى منها‏.‏

وتوفي أبوه في رجب منها، بينهما ثلاثة وسبعون يوماً، ودفنا في موضع واحد‏.‏

وأبو بكر محمد بن هارون البردعي‏.‏

الحافظ بن ناجية والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثمائة

فيها‏:‏ ورد كتاب مؤنس الخادم بأنه قد أوقع بالروم بأساً شديداً، وقد أسر منهم مائة وخمسين بطريقاً -أي‏:‏ أميراً -ففرح المسلمون بذلك‏.‏

وفيها‏:‏ ختن المقتدر خمسة من أولاده، فغرم على ختانهم ستمائة ألف دينار، وقد ختن قبلهم ومعهم خلقاً من اليتامى، وأحسن إليهم بالمال والكساوي، وهذا صنيع حسن إن شاء الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 139‏)‏

وفيها‏:‏ صادر المقتدر أبا علي بن الجصاص بستة عشر ألف ألف دينار، غير الآنية والثياب الثمينة‏.‏

وفيها‏:‏ أدخل الخليفة أولاده إلى المكتب، وكان يوماً مشهوداً‏.‏

وفيها‏:‏ بنى الوزير المارستان بالحربية من بغداد، وأنفق عليه أموالاً جزيلة، جزاه الله خيراً‏.‏

وحج بالناس فيها الفضل الهاشمي‏.‏

وقطعت الأعراب وطائفة من القرامطة الطريقين على الراجعين من الحجيج، وأخذوا منهم أموالاً كثيرة وقتلوا منهم خلقاً وأسروا أكثر من مائتي امرأة حرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

بشر بن نصر بن منصور

أبو القاسم الفقيه الشافعي، من أهل مصر يعرف بغلام عَرَق، وعرق خادم من خدام السلطان كان يلي البريد، فقدم معه بهذا الرجل مصر فأقام بها حتى مات بها‏.‏

بدعة جارية غريب المغنية، بذل لسيدتها فيها مائة ألف دينار وعشرون ألف دينار من بعض من رغب فيها من الخلفاء فعرض ذلك عليها فكرهت مفارقة سيدتها، فأعتقتها سيدتها في موتها، وتأخرت وفاتها إلى هذه السنة، وقد تركت من المال العين والأملاك مالم يملكه رجل‏.‏

القاضي أبو زرعه محمد بن عثمان الشافعي

قاضي مصر ثم دمشق، وهو أول من حكم بمذهب الشافعي بالشام وأشاعه بها وقد كان أهل الشام على مذهب الأوزاعي من حين مات إلى هذه السنة‏.‏

وثبت على مذهب الأوزاعي بقايا كثيرون لم يفارقوه، وكان ثقة عدلاً من سادات القضاة، وكان أصله من أهل الكتاب من اليهود، ثم أسلم وصار إلى ما صار إليه‏.‏

وقد ذكرنا ترجمته في طبقات الشافعية‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثمائة

فيها‏:‏ وقف المقتدر بالله أموالاً جزيلة وضياعاً على الحرمين الشريفين، واستدعى بالقضاة والأعيان، وأشهدهم على نفسه بما وقفه من ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ قدم إليه بجماعة من الأسارى من الأعراب الذين كانوا قد اعتدوا على الحجيج، فلم يتمالك العامة أن اعتدوا عليهم فقتلوهم، فأخذ بعضهم فعوقب لكونه افتات على السلطان‏.‏

وفيها‏:‏ وقع حريق شديد في سوق النجارين ببغداد فأحرق السوق بكامله، وفي ذي الحجة منها مرض المقتدر ثلاثة عشر يوماً، ولم يمرض في خلافته مع طولها إلا هذه المرضة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 140‏)‏

وحج بالناس فيها الفضل الهاشمي ولما خاف الوزير على الحجاج القرامطة كتب إليهم رسالة ليشغلهم بها، فاتهمه بعض الكتاب بمراسلته القرامطة، فلما انكشف أمره وما قصده حظي بذلك عند الناس جداً‏.‏

 وممن توفي من الأعيان‏:‏

 النسائي أحمد بن علي

ابن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرحمن النسائي صاحب السنن، الإمام في عصره والمقدم على أضرابه وأشكاله وفضلاء دهره، رحل إلى الآفاق، واشتغل بسماع الحديث والاجتماع بالأئمة الحذاق، ومشايخه الذين روى عنهم مشافهة قد ذكرناهم في كتابنا التكميل وترجمناه أيضاً هنالك، وروى عنه خلق كثير، وقد جمع السنن الكبير وانتخب منه ما هو أقل حجماً منه بمرات‏.‏

وقد وقع لي سماعهما‏.‏

وقد أبان في تصنيفه عن حفظ وإتقان وصدق وإيمان وعلم وعرفان‏.‏

قال الحاكم عن الدارقطني‏:‏ أبو عبد الرحمن النسائي مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره، وكان يسمي كتابه الصحيح‏.‏

وقال أبو علي الحافظ‏:‏ للنسائي شرط في الرجال أشد من شرط مسلم بن الحجاج، وكان من أئمة المسلمين‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ هو الإمام في الحديث بلا مدافعة‏.‏

وقال أبو الحسين محمد بن مظفر الحافظ سمعت مشايخنا بمصر يعترفون له بالتقدم والإمامة، ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار ومواظبته على الحج والجهاد‏.‏

وقال غيره كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان له أربع زوجات وسريتان، وكان كثير الجماع، حسن الوجه مشرق اللون‏.‏

قالوا‏:‏ وكان يقسم للإماء كما يقسم للحرائر‏.‏

وقال الدارقطني‏:‏ كان أبو بكر بن الحداد كثير الحديث ولم يرو عن أحد سوى النسائي وقال‏:‏ رضيت به حجة فيما بيني وبين الله عز وجل‏.‏

وقال ابن يونس‏:‏ كان النسائي إماماً في الحديث ثقة ثبتاً حافظاً، كان خروجه من مصر في سنة ثنتين وثلاثمائة‏.‏

وقال ابن عدي‏:‏ سمعت منصوراً الفقيه وأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي يقولان‏:‏ أبو عبد الرحمن النسائي إمام من أئمة المسلمين، وكذلك أثنى عليه غير واحد من الأئمة وشهدوا له بالفضل والتقدم في هذا الشأن‏.‏

وقد ولي الحكم بمدينة حمص‏.‏

سمعته من شيخنا المزي عن رواية الطبراني في معجمه الأوسط حيث قال‏:‏ حدثنا أحمد بن شعيب الحاكم بحمص وذكروا أنه كان له من النساء أربع نسوة، وكان غاية الحسن، وجهه كأنه قنديل، وكان يأكل في كل يوم ديكا ويشرب عليه نقيع الزبيب الحلال، وقد قيل عنه‏:‏ إنه كان ينسب إليه شيء من التشيع‏.‏

قالوا‏:‏ ودخل إلى دمشق فسأله أهلها أن يحدثهم بشيء من فضائل معاوية فقال‏:‏ أما يكفي معاوية أن يذهب رأساً برأس حتى يروى له فضائل‏؟‏

فقاموا إليه فجعلوا يطعنون في خصيتيه حتى أخرج من المسجد الجامع، فسار من عندهم إلى مكة فمات بها في هذه السنة، وقبره بها هكذا حكاه الحاكم عن محمد بن إسحاق الأصبهاني عن مشايخه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 141‏)‏

وقال الدارقطني‏:‏ كان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح من السقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج إلى الرملة، فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه فضربوه في الجامع، فقال‏:‏ أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه وهو عليل، فتوفي بمكة مقتولاً شهيداً مع ما رزق من الفضائل رزق الشهادة في آخر عمره، مات مكة سنة ثلاث وثلاثمائة‏.‏

قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغنى بن نقطة في تقييده ومن خطه نقلت ومن خط أبي عامر محمد بن سعدون العبدري الحافظ‏:‏ مات أبو عبد الرحمن النسائي بالرملة مدينة فلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة، ودفن ببيت المقدس‏.‏

وحكى ابن خلكان أنه توفي في شعبان من هذه السنة، وأنه إنما صنف الخصائص في فضل علي وأهل البيت، لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها في سنة ثنتين وثلاثمائة عندهم نفرة من علي وسألوه عن معاوية فقال ما قال، فدققوه في خصيتيه فمات‏.‏

وهكذا ذكر ابن يونس وأبو جعفر الطحاوي‏:‏ إنه توفي بفلسطين في صفر من هذه السنة، وكان مولده في سنة خمس عشرة أو أربع عشرة ومائتين تقريباً عن قوله، فكان عمره ثمانياً وثمانين سنة‏.‏

 الحسن بن سفيان

ابن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء، أبو العباس الشيباني النسوي، محدث خراسان، وقد كان يضرب إليه آباط الإبل في معرفة الحديث والفقه‏.‏

رحل إلى الآفاق وتفقه على أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه، وأخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل، وكانت إليه الرحلة بخراسان‏.‏

ومن غريب ما اتفق له‏:‏ أنه كان هو وجماعة من أصحابه بمصر في رحلتهم إلى الحديث، فضاق عليهم الحال حتى مكثوا ثلاثة أيام لا يأكلون فيها شيئاً، ولا يجدون ما يبيعونه للقوت، واضطرهم الحال إلى تجشم السؤال، وأنفت أنفسهم من ذلك وعزت عليهم وامتنع كل الامتناع، والحاجة تضطرهم إلى تعاطي ذلك، فاقترعوا فيما بينهم أيهم يقوم بأعباء هذا الأمر، فوقعت القرعة على الحسن بن سفيان هذا

فقام عنهم فاختلى في زاوية المسجد الذي هم فيه فصلى ركعتين أطال فيهما واستغاث بالله عز وجل، وسأله بأسمائه العظام، فما انصرف من الصلاة حتى دخل عليهم المسجد شاب حسن الهيئة مليح الوجه فقال‏:‏ أين الحسن بن سفيان‏؟‏

فقلت‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ الأمير طولون يقرأ عليكم السلام ويعتذر إليكم في تقصيره عنكم، وهذه مائة دينار لكل واحد منكم‏.‏

فقلنا له‏:‏ ما الحامل له على ذلك‏؟‏

فقال‏:‏ إنه أحب أن يختلي اليوم بنفسه، فبينما هو الآن نائم إذ جاءه فارس في الهواء بيده رمح فدخل عليه منزله ووضع عقب الرمح في خاصرته فوكزه وقال‏:‏ قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه، قم فأدركهم، قم فأدركهم، فإنهم منذ ثلاث جياع في المسجد الفلاني‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 142‏)‏

فقال له‏:‏ من أنت‏؟‏

فقال‏:‏ أنا رضوان خازن الجنة‏.‏

فاستيقظ الأمير وخاصرته تؤلمه ألماً شديداً، فبعث بالنفقة في الحال إليكم‏.‏

ثم جاء لزيارتهم واشترى ما حول ذلك المجلس ووقفه على الواردين عليه من أهل الحديث، جزاه الله خيراً‏.‏

وقد كان الحسن بن سفيان رحمه الله من أئمة هذا الشأن وفرسانه وحفاظه، وقد اجتمع عنده جماعة من الحفاظ منهم ابن جرير الطبري وغيره، فقرؤوا عليه شيئاً من الحديث وجعلوا يقلبون الأسانيد ليستعلموا ما عنده من العلم، فما قلبوا شيئاً من الإسناد إلا ردّهم فيه إلى الصواب، وعمره إذ ذاك سبعون سنة، وهو في هذا السن حافظ ضابط لا يشذ عنه شيء من حديثه‏.‏

ومن فوائده‏:‏ العبسي كوفي، والعيشي بصري، والعنسي مصري‏.‏

 رويم بن أحمد

ويقال‏:‏ ابن محمد بن رويم بن يزيد، أبو الحسن، ويقال‏:‏ أبو محمد، أحد أئمة الصوفية، كان عالماً بالقرآن ومعانيه، وكان يتفقه على مذهب داود بن علي الظاهري، قال بعضهم‏:‏ كان رويم يكتم حب الدنيا أربعين سنة، ومعناه أنه تصوف أربعين سنة، ثم لما ولي إسماعيل بن إسحاق القضاء ببغداد جعله وكيلاً في بابه، فترك التصوف ولبس الخز والقصب والديبقى وركب الخيل وأكل الطيبات وبنى الدور‏.‏

زهير بن صالح بن الإمام أحمد بن حنبل

روى عن أبيه وعنه أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد، كان ثقة، مات وهو شاب، قاله الدارقطني‏.‏

 أبو علي الجبائي

شيخ المعتزلة، واسمه محمد بن عبد الوهاب أبو علي الجبائي شيخ طائفة الاعتزال في زمانه، وعليه اشتغل أبو الحسن الأشعري ثم رجع عنه، وللجبائي تفسير حافل مطول، له فيه اختيارات غريبة في التفسير، وقد رد عليه الأشعري فيه وقال‏:‏ وكأن القرآن نزل في لغة أهل جباء‏.‏

كان مولده في سنة خمس وثلاثين ومائتين، ومات في هذه السنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 143‏)‏

 أبو الحسن بن بسام الشاعر

واسمه علي بن أحمد بن منصور بن نصر بن بسام البسامي الشاعر المطبق للهجاء، فلم يترك أحداً حتى هجاه حتى أباه وأمه أمامة بنت حمدون النديم‏.‏

وقد أورد له ابن خلكان أشياء كثيرة من شعره، فمن ذلك قوله في تخريب المتوكل قبر الحسن بن علي وأمره بأن يزرع ويمحي رسمه، وكان شديد التحامل على علي وولده‏.‏

فلما وقع ما ذكرناه سنة ست وثلاثين ومائتين‏.‏

قال ابن بسام هذا في ذلك‏:‏

تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما

 ثم دخلت سنة أربع وثلاثمائة

فيها عزل المقتدر وزيره أبا الحسن علي بن عيسى بن الجراح، وذلك لأنه وقعت بينه وبين أم موسى القهرمانة نفرة شديدة، فسأل الوزير أن يُعفى من الوزارة فعزل ولم يتعرضوا لشيء من أملاكه‏.‏

وطلب أبو الحسن بن الفرات فأعيد إلى الوزارة بعد عزله عنها خمس سنين، وخلع عليه الخليفة يوم التروية سبع خلع، وأطلق إليه ثلاثمائة ألف درهم، وعشرة تخوت ثياب، ومن الخيل والبغال والجمال شيء كثير، وأقطع الدار التي بالحريم فسكنها، وعمل فيها ضيافة تلك الليلة فسقى فيها أربعين ألف رطل من الثلج‏.‏

وفي نصف هذه السنة اشتهر ببغداد أن حيواناً يقال له‏:‏ الزرنب، يطوف بالليل يأكل الأطفال من الأسرّة ويعدو على النيام فربما قطع يد الرجل وثدي المرأة وهو نائم‏.‏

فجعل الناس يضربون على أسطحتهم على النحاس من الهواوين وغيرها ينفرونه عنهم، حتى كانت بغداد بالليل ترتج من شرقها وغربها، واصطنع الناس لأولادهم مكبات من السعف وغيرها، واغتنمت اللصوص هذه الشوشة فكثرت النقوب وأخذت الأموال، فأمر الخليفة بأن يؤخذ حيوان من كلاب الماء فيصلب على الجسر ليسكن الناس عن ذلك، ففعلوا فسكن الناس ورجعوا إلى أنفسهم واستراح الناس من ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ قلد ثابت بن سنان الطبيب أمر المارستان ببغداد في هذه السنة، وكانت خمساً، وكان هذا الطبيب مؤرخاً‏.‏

وفيها‏:‏ ورد كتاب من خراسان بأنهم وجدوا قبور شهداء قد قتلوا في سنة سبعين من الهجرة مكتوبة أسماؤهم في رقاع مربوطة في آذانهم، وأجسادهم طرية كما هي، رضي الله عنهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 144‏)‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

لبيد بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن صالح

ابن عبد الله بن الحصين بن علقمة بن نعيم بن عطارد بن حاجب، أبو الحسن التميمي الملقب فروجة، قدم بغداد وحدث بها، وكان ثقة حافظاً‏.‏

 يوسف بن الحسين بن علي

أبو يعقوب الرازي، سمع أحمد بن حنبل وصحب ذا النون، وكان قد بلغه أن ذا النون يحفظ اسم الله الأعظم فقصده ليعلمه إياه، قال‏:‏ فلما وردت عليه استهان بي وكانت لي لحية طويلة ومعي ركوة طويلة‏.‏

فجاء رجل يوماً فناظر ذا النون فأسكت ذا النون، فقلت له‏:‏ دع الشيخ وأقبل عليّ‏.‏

فأقبل فناظرته فأسكته، فقام ذو النون فجلس بين يدي وهو شيخ وأنا شاب، ثم اعتذر إلي‏.‏

فخدمته سنة ثم سألته أن يعلمني الاسم الأعظم، فلم يبعد مني ووعدني، فمكثت عنده بعد ذلك ستة أشهر، ثم أخرج إلي طبقاً عليه مكبة مستوراً بمنديل، فقال لي‏:‏ اذهب بهذا الطبق إلى صاحبنا فلان‏.‏

قال‏:‏ فجعلت أفكر في الطريق ما هذا الذي أرسلني به‏؟‏

فلما وصلت الجسر فتحته فإذا فأرة ففرت وذهبت، فاغتظت غيظاً شديداً، وقلت‏:‏ ذو النون سخر بي، فرجعت إليه وأنا حنق فقال لي‏:‏ ويحك إنما اختبرتك، فإذا لم تكن أميناً على فأرة فإن لا تكون أميناً على الاسم الأعظم بطريق الأولى، اذهب عني فلا أراك بعدها‏.‏

وقد رُئي أبو الحسين الرازي هذا في المنام بعد موته فقيل له‏:‏ ما فعل الله بك‏؟‏

فقال‏:‏ غفر لي بقولي عند الموت‏:‏ اللهم إني نصحت الناس قولاً وخنت نفسي فعلاً، فهب خيانة فعلي لنصح قولي‏.‏

 يموت بن المزرّع بن يموت

أبو بكر العبدي من عبد القيس، وهو ثوري، وهو ابن أخت الجاحظ‏.‏

قدم بغداد وحدث بها عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني، وأبي الفضل الرياشي، وكان صاحب أخبار وآداب وملح، وقد غير اسمه بمحمد فلم يغلب عليه إلا الأول، وكان إذا ذهب يعود مريضاً فدق الباب فقالوا‏:‏ من‏؟‏

فيقول‏:‏ ابن المزرع ولا يذكر اسمه لئلا يتفاءلوا به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/145‏)‏

 ثم دخلت سنة خمسة وثلاثمائة

فيها قدم رسول ملك الروم في طلب المفاداة والهدنة، وهو شاب حدث السن ومعه شيخ منهم وعشرون غلاماً، فلما قدم بغداد شاهد أمراً عظيماً جداً، وذلك أن الخليفة أمر الجيش والناس بالاحتفال بذلك ليشاهد ما فيه إرهاب الأعداء، فركب الجيش بكماله وكان مائة ألف وستين ألفاً، ما بين فارس وراجل، غير العساكر الخارجة في سائر البلاد مع نوابها، فركبوا في الأسلحة والعدد التامة، وغلمان الخليفة سبعة آلاف، أربعة آلاف بيض، وثلاثة آلاف سود، وهم في غاية الملابس والعدد والحلي، والحجبة يومئذ سبعمائة حاجب، وأما الطيارات التي بدجلة والزيارب والسمريات فشيء كثير مزينة، فحين دخل الرسول دار الخلافة انبهر وشاهد أمراً أدهشه، ورأى من الحشمة والزينة والحرمة ما يبهر الأبصار‏.‏

وحين اجتاز بالحاجب ظن أنه الخليفة فقيل له‏:‏ هذا الحاجب، فمر بالوزير في أبهته فظنه الخليفة فقيل له‏:‏ هذا الوزير‏.‏

وقد زينت دار الخلافة بزينة لم يسمع بمثلها، كان فيها من الستور يومئذ ثمانية وثلاثون ألف ستر، منها عشرة آلاف وخمسمائة ستر مذهبة، وقد بسط فيها اثنان وعشرون ألف بساط لم ير مثلها، وفيها من الوحوش قطعان متآنسة بالناس، تأكل من أيديهم ومائة سبع من السباعة‏.‏

ثم أدخل إلى دار الشجرة، وهي عبارة عن بركة فيها ماء صاف وفي وسط ذلك الماء شجرة من ذهب وفضة لها ثمانية عشر غصناً أكثرها من ذهب، وفي الأغصان الشماريخ والأوراق الملونة من الذهب والفضة واللآلئ واليواقيت، وهي تصوت بأنواع الأصوات من الماء المسلط عليها، والشجرة بكمالها تتمايل كما تتمايل الأشجار بحركات عجيبة تدهش من يراها‏.‏

ثم أدخل إلى مكان يسمونه الفردوس فيه من أنواع المفارش والآلات ما لا يحد ولا يوصف كثرة وحسناً‏.‏

وفي دهاليزه ثمانية عشرة ألف جوشن مذهبة‏.‏

فما زال كلما مر على مكان أدهشه وأخذ ببصره حتى انتهى إلى المكان الذي فيه الخليفة المقتدر بالله، وهو جالس على سرير من آبنوس، قد فرش بالديبقى المطرز بالذهب، وعن يمين السرير سبعة عشر عنقود معلقة، وعن يساره مثلها وهي جوهر من أفخر الجواهر، كل جوهرة يعلو ضوؤها على ضوء النهار، ليس لواحدة منها قيمة ولا يستطاع ثمنها، فأوقف الرسول والذين معه بين يدي الخليفة على نحو من مائة ذراع، والوزير علي بن محمد بن الفرات واقف بين يدي الخليفة، والترجمان دون الوزير، والوزير يخاطب الترجمان والترجمان يخاطبهما، ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 146‏)‏ فلما فرغ منها خلع عليهما وأطلق لهما خمسين سقرقاً في كل سقرق خمسة آلاف درهم، وأخرجا من بين يديه وطيف بهما في بقية دار الخلافة، وعلى حافات دجلة الفيلة والزرافات والسباع والفهود وغير ذلك، ودجلة داخلة في دار الخلافة، وهذا من أغرب ما وقع من الحوادث في هذه السنة‏.‏

وحج بالناس فيها الفضل الهاشمي‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 محمد بن أحمد أبو موسى

النحوي الكوفي المعروف بالجاحظ، صحب ثعلباً أربعين سنة وخلفه في حلقته، وصنف غريب الحديث، وخلق الإنسان، والوحوش والنبات، وكان ديناً صالحاً، روى عنه أبو عمر الزاهد‏.‏

توفي ببغداد في ذي الحجة منها، ودفن بباب التين‏.‏

و عبد الله شيرويه الحافظ، وعمران بن مجاشع، وأبو خليفة الفضل بن الحباب‏.‏

وقاسم بن زكريا ابن يحيى المطرز المقري أحد الثقات الأثبات، سمع أبا كريب، وسويد بن سعيد، وعنه الخلدي وأبو الجعابي، توفي ببغداد‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وثلاثمائة

في أول يوم من المحرم فتح المارستان الذي بنته السيدة أم المقتدر وجلس فيه سنان بن ثابت ورتبت فيه الأطباء والخدم والقومة، وكانت نفقته في كل شهر ستمائة دينار، وأشار سنان على الخليفة ببناء مارستان، فقبل منه وبناه وسماه المقتدري‏.‏

وفيها‏:‏ وردت الأخبار عن أمراء الصوائف بما فتح الله عليهم من الحصون في بلاد الروم‏.‏

وفيها‏:‏ رجفت العامة وشنعوا بموت المقتدر، فركب في الجحافل حتى بلغ الثريا ورجع من باب العامة ووقف كثيراً ليراه الناس، ثم ركب إلى الشماسية وانحدر إلى دار الخلافة في دجلة فسكنت الفتن‏.‏

وفيها‏:‏ قلد المقتدر حامد بن العباس الوزارة وخلع عليه وخرج من عنده وخلفه أربعمائة غلام لنفسه، فمكث أياماً ثم تبين عجزه عن القيام بالأمور فأضيف إليه علي بن عيسى لينفذ الأمور وينظر معه في الأعمال، ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 147‏)‏ وكان أبو علي بن مقلة ممن يكتب أيضاً بحضرة حامد بن العباس الوزير، ثم صارت المنزلة كلها لعلي بن عيسى واستقل بالوزارة في السنة الآتية‏.‏

وفيها‏:‏ أمرت السيدة أم المقتدر قهرمانة لها تعرف بتملي أن تجلس بالتربة التي بنتها بالرصافة في كل يوم جمعة، وأن تنظر في المظالم التي ترفع إليها في القصص، ويحضر في مجلسها القضاة والفقهاء‏.‏

وحج بالناس فيها الفضل الهاشمي‏.‏

 وفيها توفي‏:‏

 إبراهيم بن أحمد بن الحارث

أبو القاسم الكلابي الشافعي، سمع الحارث بن مسكين وغيره، وكان رجلاً صالحاً، تفقه على مذهب الشافعي وكان يحب الخلوة والانقباض، توفي في شعبان منها‏.‏

أحمد بن الحسن الصوفي أحد مشايخ الحديث المكثرين المعمرين‏.‏

 أحمد بن عمر بن سريج

أبو العباس القاضي بشيراز، صنف نحو أربعمائة مصنف، وكان أحد أئمة الشافعية، ويلقب بالباز الأشهب، أخذ الفقه عن أبي قاسم الأنماطي وعن أصحاب الشافعي، كالمزني وغيره، وعنه انتشر مذهب الشافعي في الآفاق، وقد ذكرنا ترجمته في الطبقات‏.‏

توفي في جمادى الأولى منها عن سبع وخمسين سنة وستة أشهر‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ توفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من ربيع الأول وعمره سبع وخمسون سنة وثلاثة أشهر، وقبره يزار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 148‏)‏

 أحمد بن يحيى

أبو عبد الله الجلاء بغدادي، سكن الشام وصحب أبا التراب النخشبي، وذا النون المصري، روى أبو نعيم بسنده عنه قال‏:‏ قلت لأبوي وأنا شاب‏:‏ إني أحب أن تهباني لله عز وجل‏.‏

فقالا‏:‏ قد وهبناك لله‏.‏

فغبت عنهما مدة طويلة ثم رجعت إلى بلدنا عشاء في ليلة مطيرة، فانتهيت إلى الباب فدفعته فقالا‏:‏ من هذا‏؟‏

فقلت‏:‏ أنا ولدكما فلان‏.‏

فقالا‏:‏ إنه قد كان لنا ولد ووهبناه لله عز وجل، ونحن من العرب لا نرجع فيما وهبنا‏.‏

ولم يفتحا لي الباب‏.‏

الحسن بن يوسف بن إسماعيل بن حماد بن زيد

القاضي أبو يعلى، وهو أخو القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، كان إليه ولاية القضاء بالأردن‏.‏

 عبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد

أبو محمد الجواليقي القاضي، المعروف بعبدان، الأهوازي، ولد سنة ست عشرة ومائتين، كان أحد الحفاظ الأثبات، يحفظ مائة ألف حديث، جمع المشايخ والأبواب، روى عن هدبة وكامل بن طلحة وغيرهم، وعنه ابن صاعد والمحاملي وغيرهم‏.‏

محمد بن بابشاذ أبو عبيد الله البصري

سكن بغداد وحدث بها عن عبيد الله بن معاذ العنبري وبشر بن معاذ العقدي وغيرهما، وفي حديثه غرائب ومناكير‏.‏

توفي في شوال منها‏.‏

 محمد بن الحسين بن شهريار

أبو بكر القطان البلخي الأصل، روى عن الفلاس وبشر بن معاذ‏.‏

وعنه أبو بكر الشافعي ومحمد بن عمر بن الجعاني‏.‏

كذبه ابن ناجية‏.‏

وقال الدارقطني‏:‏ ليس به بأس‏.‏

محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد

أبو بكر الضبي القاضي المعروف بوكيع، كان عالماً فاضلاً عارفاً بأيام الناس، فقيهاً قارئاً نحوياً، له مصنفات منها‏:‏ كتاب ‏(‏عدد آي القرآن‏)‏، ولي القضاء بالأهواز‏.‏

وحدث عن الحسن بن عرفة والزبير بن بكار وغيرهما، وعنه أحمد بن كامل وأبو علي الصواف وغيرهما‏.‏

ومن شعره الجيد‏:‏

إذا ما غدت طلابة العلم تبتغي * من العلم يوماً ما يخلد في الكتب

غدوت بتشمير وجد عليهم * ومحبرتي أذني ودفترها قلبي‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 149‏)‏

 منصور بن إسماعيل بن عمر

أبو الحسن الفقير، أحد أئمة الشافعية، وله مصنفات في المذهب، وله الشعر الحسن‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ ويظهر في شعره التشيع، وكان جندياً ثم كفّ بصره وسكن الرملة، ثم قدم مصر ومات بها‏.‏

 أبو نصر المحب

أحد مشايخ الصوفية، كان له كرم وسخاء ومروءة، ومر بسائل سأل وهو يقول‏:‏ شفيعي إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشق أبو نصر إزاره وأعطاه نصفه، ثم مشى خطوتين ثم رجع إليه فأعطاه النصف الآخر وقال‏:‏ هذا نذالة‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وثلاثمائة

في صفر منها وقع حريق بالكرخ في الباقلانتين، هلك فيه خلق كثير من الناس‏.‏

وفي ربيع الآخر منها دخل بأسارى من الكرخ نحو مائة وخمسين أسيراً، أنقذهم الأمير بدر الحماني‏.‏

وفي ذي القعدة منها انقضّ كوكب عظيم غالب الضوء وتقطع ثلاث قطع، وسمع بعد انقضاضه صوت رعد شديد هائل من غير غيم‏.‏

ذكره ابن الجوزي‏.‏

وفيها‏:‏ دخلت القرامطة إلى البصرة فأكثروا فيها الفساد‏.‏

وفيها‏:‏ عزل حامد بن العباس عن الوزارة وأعيد إليها أبو الحسن بن الفرات المرة الثالثة‏.‏

وفيها‏:‏ كسرت العامة أبواب السجون فأخرجوا من كان بها، وأدركت الشرطة من أخرجوا من السجن فلم يفتهم أحد منهم، بل ردوا إلى السجون‏.‏

وحج بالناس فيها أحمد بن العباس أخو أم موسى القهرمانة‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 أحمد بن علي بن المثنى

أبو يعلى الموصلي صاحب المسند المشهور، سمع الإمام أحمد بن حنبل وطبقته، وكان حافظاً خيراً حسن التصنيف عدلاً فيما يرويه، ضابطاً لما يحدث به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 150‏)‏

إسحاق بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن سلمة

أبو يعقوب البزار الكوفي، رحل إلى الشام ومصر وكتب الكثير وصنف المسند، واستوطن بغداد، وكان من الثقات، روى عنه ابن المظفر الحافظ، قدم بغداد وروى عنه الطبراني والأزدي وغيرهما من الحفاظ، وكان ثقة حافظاً عارفاً‏.‏

توفي بحلب في هذه السنة‏.‏

 زكريا بن يحيى الساجي

الفقيه المحدث شيخ أبي الحسن الأشعري في السنّة والحديث‏.‏

علي بن سهل بن الأزهر أبو الحسن الأصبهاني، كان أولاً مترفاً ثم صار زاهداً عابداً، يبقى الأيام لا يأكل فيها شيئاً، وكان يقول‏:‏ ألهاني الشوق إلى الله عن الطعام والشراب‏.‏

وكان يقول‏:‏ أنا لا أموت كما يموتون بالأعلال والأسقام، إنما هو دعاء وإجابة، أدعي فأجيب‏.‏

فكان كما قال‏:‏ بينما هو جالس في جماعة إذ قال‏:‏ لبيك ووقع ميتاً‏.‏

محمد بن هارون الروياني صاحب المسند‏.‏

وابن دريج العكبري‏.‏

والهيثم بن خلف‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وثلاثمائة

فيها‏:‏ غلت الأسعار في هذه السنة ببغداد، فاضطربت العامة وقصدوا دار حامد بن العباس الذي ضمن براثى من الخليفة فغلت الأسعار بسبب ذلك، وعدوا في ذلك اليوم - وكان يوم الجمعة - على الخطيب، فمنعوه الخطبة وكسروا المنابر وقتلوا الشرط وحرقوا جسوراً كثيرة، فأمر الخليفة بقتال العامة ثم نقض الضمان الذي كان حامد بن العباس ضمنه فانحطت الأسعار، وبيع الكر بناقص خمسة دنانير، فطابت أنفس الناس بذلك وسكنوا‏.‏

وفي تموز منها وقع برد شديد جداً حتى نزل الناس عن الأسطحة وتدثروا باللحف والأكسية، ووقع في شتاء هذه السنة بلغم عظيم، وكان فيها برد شديد جداً بحيث أضر ذلك ببعض النخيل‏.‏

وحج بالناس فيها أحمد بن العباس أخو القهرمانة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 151‏)‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 إبراهيم بن سفيان الفقيه

راوي صحيح مسلم عنه‏.‏

 أحمد بن الصلت

أحمد بن الصلت ابن المغلس أبو العباس الحماني أحد الوضاعين للأحاديث، روى عن خاله جبارة بن المغلس وأبي نعيم ومسلم بن إبراهيم، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي عبيد القاسم بن سلام وغيرهم‏:‏ أحاديث كلها وضعها هو في مناقب أبي حنيفة وغير ذلك‏.‏

وحكى عن يحيى بن معين وعلي بن المديني وبشر بن الحارث أخباراً كلها كذب‏.‏

قال أبو الفرج بن الجوزي‏:‏ قال لي محمد بن أبي الفوارس‏:‏ كان أحمد بن الصلت يضع الحديث‏.‏

 إسحاق بن أحمد الخزاعي‏.‏

والمفضل الجندي‏.‏

و عبد الله بن محمد بن وهب الدينوري‏.‏

و عبد الله بن ثابت بن يعقوب

أبو عبد الله المقري النحوي التوزي، سكن بغداد، وروى عن عمرو بن شبة، وعنه أبو عمرو بن السماك‏.‏

ومن شعره الجيد‏:‏

إذا لم تكن حافظاً واعياً * فعلمك في البيت لا ينفع

وتحضر بالجهل في مجلس * وعلمك في الكتب مستودع

ومن يك في دهره هكذا * يكن دهره القهقرى يرجع ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 152‏)‏

 ثم دخلت سنة تسع وثلاثمائة

فيها‏:‏ وقع حريق كثير في نواحي بغداد بسبب زنديق قتل فألقى من كان من جهته الحريق في أماكن كثيرة، فهلك بسبب ذلك خلق كثير من الناس‏.‏

وفي جمادى الأولى منها قلد المقتدر مؤنس الخادم بلاد مصر والشام ولقبه المظفر‏.‏

وأمر بكتب ذلك في المراسلات إلى الآفاق‏.‏

وفي ذي القعدة منها أحضر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري إلى دار الوزير عيسى بن علي لمناظرة الحنابلة في أشياء نقموها عليه، فلم يحضروا ولا واحد منهم‏.‏

وفيها‏:‏ قدم الوزير حامد بن العباس للخليفة بستاناً بناه وسماه الناعورة قيمته مائة ألف دينار، وفرش مساكنه بأنواع المفارش المفتخرة‏.‏

وفيها‏:‏ كان مقتل الحسين بن منصور الحلاج ولنذكر شيئاً من ترجمته وسيرته، وكيفية قتله على وجه الإيجاز وبيان المقصود بطريق الإنصاف والعدل، من غير تحمل ولا هوى ولا جور‏.‏

 ترجمة الحلاج

ونحن نعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يكن قاله، أو نتحمل عليه في أقواله وأفعاله، فنقول‏:‏ هو الحسين بن منصور بن محمى الحلاج أبو مغيث، ويقال‏:‏ أبو عبد الله، كان جده مجوسياً اسمه محمى من أهل فارس من بلدة يقال لها‏:‏ البيضاء، ونشأ بواسط، ويقال‏:‏ بتستر، ودخل بغداد وتردد إلى مكة وجاور بها في وسط المسجد في البرد والحر، مكث على ذلك سنوات متفرقة، وكان يصابر نفسه ويجاهدها، ولا يجلس إلا تحت السماء في وسط المسجد الحرام، ولا يأكل إلا بعض قرص ويشرب قليلاً من الماء معه وقت الفطور مدة سنة كاملة‏.‏

وكان يجلس على صخرة في شدة الحر في جبل أبي قبيس، وقد صحب جماعة من سادات المشايخ الصوفية، كالجنيد بن محمد، وعمرو بن عثمان المكي، وأبي الحسين النوري‏.‏

قال الخطيب البغدادي‏:‏ والصوفية مختلفون فيه، فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم، وأبى أن يعده فيهم، وقبله من متقدميهم أبو العباس بن عطاء البغدادي، ومحمد بن خفيف الشيرازي، وإبراهيم بن محمد النصراباذي النيسابوري، وصححوا له حاله، ودونوا كلامه، حتى قال ابن خفيف‏:‏ الحسين بن منصور عالم رباني‏.‏

وقال أبو عبد الرحمن السلمي - واسمه محمد بن الحسين - سمعت إبراهيم بن محمد النصراباذي وعوتب في شيء حكي عن الحلاج في الروح فقال للذي عاتبه‏:‏ إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج‏.‏

قال أبو عبد الرحمن‏:‏ وسمعت منصور بن عبد الله يقول‏:‏ سمعت الشبلي يقول‏:‏ كنت أنا والحسين بن منصور شيئاً واحداً إلا أنه أظهر وكتمت‏.‏

وقد روي عن الشبلي من وجه آخر أنه قال، وقد رأى الحلاج مصلوباً‏:‏ ألم أنهك عن العالمين‏؟‏

قال الخطيب‏:‏ والذين نفوه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة في فعله، وإلى الزندقة في عقيدته وعقده‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 153‏)‏

قال‏:‏ وله إلى الآن أصحاب ينسبون إليه ويغالون فيه ويغلون‏.‏

وقد كان الحلاج في عبارته حلو المنطق، وله شعر على طريقة الصوفية‏.‏

قلت‏:‏ لم يزل الناس منذ قتل الحلاج مختلفين في أمره، فأما الفقهاء فحكي عن غير واحد من العلماء والأئمة‏:‏ إجماعهم على قتله، وأنه قتل كافراً، وكان كافراً ممخرقاً مموهاً مشعبذاً، وبهذا قال أكثر الصوفية فيه‏.‏

ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه، وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه ولا باطن قوله، فإنه كان في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وسلوك، ولكن لم يكن له علم ولا بنى أمره وحاله على تقوى من الله ورضوان‏.‏

فلهذا كان ما يفسده أكثر مما يصلحه‏.‏

وقال سفيان بن عيينة‏:‏ من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى، ولهذا دخل على الحلاج الحلول والاتحاد، فصار من أهل الانحلال والانحراف‏.‏

وقد روى من وجه‏:‏ أنه تقلبت به الأحوال وتردد إلى البلدان، وهو في ذلك كله يظهر للناس أنه من الدعاة إلى الله عز وجل‏.‏

وصح أنه دخل إلى الهند وتعلم بها السحر وقال‏:‏ أدعو به إلى الله وكان أهل الهند يكاتبونه بالمغيث - أي‏:‏ أنه من رجال المغيث - ويكاتبه أهل سركسان بالمقيت‏.‏

ويكاتبه أهل خراسان بالمميز، وأهل فارس بأبي عبد الله الزاهد‏.‏

وأهل خوزستان بأبي عبد الله الزاهد حلاج الأسرار‏.‏

وكان بعض البغاددة حين كان عندهم يقولون له‏:‏ المصطلم، وأهل البصرة يقولون له‏:‏ المحير، ويقال‏:‏ إنما سماه الحلاج أهل الأهواز لأنه كان يكاشفهم عن ما في ضمائرهم، وقيل‏:‏ لأنه مرة قال لحلاج‏:‏ اذهب لي في حاجة كذا وكذا‏.‏

فقال‏:‏ إني مشغول بالحلج‏.‏

فقال‏:‏ اذهب فأنا أحلج عنك، فذهب ورجع سريعاً فإذا جميع ما في ذلك المخزن قد حلجه، يقال‏:‏ إنه أشار بالمرود فامتاز الحب عن القطن، وفي صحة هذا ونسبته إليه نظر، وإن كان قد جرى مثل هذا، فالشياطين تعين أصحابها ويستخدمونهم‏.‏

وقيل‏:‏ لأن أباه كان حلاجاً‏.‏

ومما يدل على أنه كان ذا حلول في بدء أمره أشياء كثيرة، منها‏:‏ شعره في ذلك فمن ذلك قوله‏:‏

جبلت روحك في روحي كما * يجبل العنبر بالمسك الفنق

فإذا مسك شيء مسني * وإذا أنت أنا لا نفترق

وقوله‏:‏

مزجت روحك في روحي كما * تمزج الخمرة بالماء الزلال

فإذا مسك شيء مسني * فإذا أنت أنا في كل حال

وقوله أيضاً‏:‏

قد تحققتك في سر * ي فخاطبك لساني ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 154‏)‏

فاجتمعنا لمعان * وافترقنا لمعان

إن يكن غيبتك التعظي * م عن لحظ العيان

فلقد صيرك الوج * د من الأحشاء دان

وقد أنشد لابن عطاء قول الحلاج‏:‏

أريدك لا أريدك للثواب * ولكني أريدك للعقاب

وكل مآربي قد نلت منها * سوى ملذوذ وجدي بالعذاب

فقال ابن عطاء‏:‏ قال‏:‏ هذا ما تزايد به عذاب الشغف وهيام الكلف، واحتراق الأسف، فإذا صفا ووفا علا إلى مشرب عذب وهاطل من الحق دائم سكب‏.‏

وقد أنشد لأبي عبد الله بن خفيف قول الحلاج‏:‏

سبحان من أظهر ناسوته * سرَّسنا لاهوته الثاقب

ثم بدا في خلقه ظاهراً * في صورة الآكل والشارب

حتى قد عاينه خلقه * كلحظة الحاجب بالحاجب

فقال ابن خفيف‏:‏ علا من يقول هذا لعنه الله‏؟‏

فقيل له‏:‏ إن هذا من شعر الحلاج‏.‏

فقال‏:‏ قد يكون مقولاً عليه‏.‏

وينسب إليه أيضاً‏:‏

أوشكت تسأل عني كيف كنت * وما لاقيت بعدك من هم وحزن

لا كنت إن كنت إن كنت أدري كيف كنت * ولا لا كنت أدري كيف لم أكن

قال ابن خلكان‏:‏ ويروى لسمنون لا للحلاج‏.‏

ومن شعره أيضاً قوله‏:‏

متى سهرت عيني لغيرك أو بكت * فلا أعطيت ما أملت وتمنت

وإن أضمرت نفسي سواك فلا زكت * رياض المنى من وجنتيك وجنت

ومن شعره أيضاً‏:‏

دنيا تغالطني كأن * ني لست أعرف حالها

حظر المليك حرامها * وأنا احتميت حلالها

فوجدتها محتاجة * فوهبت لذتها لها

وقد كان الحلاج يتلّون في ملابسه، فتارة يلبس لباس الصوفية، وتارة يتجرد في ملابس زرية، وتارة يلبس لباس الأجناد ويعاشر أبناء الأغنياء والملوك والأجناد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 155‏)‏

وقد رآه بعض أصحابه في ثياب رثة وبيده ركوة وعكازة وهو سائح فقال له‏:‏ ما هذه الحالة يا حلاج‏؟‏

فأنشأ يقول‏:‏

لئن أمسيت في ثوبي عديم * لقد بليا على حرّ كريم

فلا يغررك أن أبصرت حالاً * مغيرة عن الحال القديم

فلي نفس ستتلف أو سترقى * لعمرك بي إلى أمر جسيم

ومن مستجاد كلامه وقد سأله رجل أن يوصيه بشيء ينفعه الله به‏.‏

فقال‏:‏ عليك نفسك إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك عن الحق‏.‏

وقال له رجل‏:‏ عظني‏.‏

فقال‏:‏ كن مع الحق بحكم ما أوجب‏.‏

وروى الخطيب بسنده إليه أنه قال‏:‏ علم الأولين والآخرين مرجعه إلى أربع كلمات‏:‏ حب الجليل وبغض القليل، واتباع التنزيل، وخوف التحويل‏.‏

قلت‏:‏ وقد أخطأ الحلاج في المقامين الأخيرين، فلم يتبع التنزيل ولم يبق على الاستقامة، بل تحول عنها إلى الإعوجاج والبدعة والضلالة، نسأل الله العافية‏.‏

وقال أبو عبد الرحمن السلمي عن عمرو بن عثمان المكي‏:‏ أنه قال‏:‏ كنت أماشي الحلاج في بعض أزقة مكة وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فقال‏:‏ يمكنني أن أقول مثل هذا، ففارقته‏.‏

قال الخطيب‏:‏ وحدثني مسعود بن ناصر أنبأنا ابن باكوا الشيرازي سمعت أبا زرعة الطبري يقول‏:‏ الناس فيه - يعني حسين بن منصور الحلاج - بين قبول ورد‏.‏

ولكن سمعت محمد بن يحيى الرازي يقول‏:‏ سمعت عمرو بن عثمان يلعنه ويقول‏:‏ لو قدرت عليه لقتلته بيدي‏.‏

فقلت له‏:‏ إيش الذي وجد الشيخ عليه‏؟‏

قال‏:‏ قرأت آية من كتاب الله فقال‏:‏ يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به‏.‏

قال أبو زرعة الطبري‏:‏ وسمعت أبا يعقوب الأقطع يقول

‏:‏ زوجت ابنتي من الحسين الحلاج لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده، فبان لي منه بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال، خبيث كافر‏.‏

قلت‏:‏ كان تزويجه إياها بمكة، وهي أم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع فأولدها ولده أحمد بن الحسين بن منصور، وقد ذكر سيرة أبيه كما ساقها من طريق الخطيب‏.‏

وذكر أبو القاسم القشيري في رسالته في باب حفظ قلوب المشايخ‏:‏ أن عمرو بن عثمان دخل على الحلاج وهو بمكة وهو يكتب شيئاً في أوراق فقال له‏:‏ ما هذا‏؟‏

فقال‏:‏ هو ذا أعارض القرآن‏.‏

قال‏:‏ فدعا عليه فلم يفلح بعدها‏.‏

وأنكر على أبي يعقوب الأقطع تزويجه إياه ابنته‏.‏

وكتب عمرو بن عثمان إلى الآفاق كتباً كثيرة يلعنه فيها ويحذر الناس منه، فشرد الحلاج في البلاد فعاث يميناً وشمالاً، وجعل يظهر أنه يدعو إلى الله ويستعين بأنواع من الحيل، ولم يزل ذلك دأبه وشأنه حتى أحل الله به بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، فقتله بسيف الشرع الذي لا يقع إلا بين كتفي زنديق، والله أعدل من أن يسلطه على صديق‏.‏

كيف وقد تهجم على القرآن العظيم، وقد أراد معارضته في البلد الحرام حيث نزل به جبريل، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 25‏]‏‏.‏

ولا إلحاد أعظم من هذا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 156‏)‏

وقد أشبه الحلاج كفار قريش في معاندتهم، كما قال تعالى عنهم‏:‏ ‏{‏وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 31‏]‏‏.‏

 أشياء من حيل الحلاج

روى الخطيب البغدادي‏:‏ أن الحلاج بعث رجلاً من خاصة أصحابه وأمره أن يذهب بين يديه إلى بلد من بلاد الجبل، وأن يظهر لهم العبادة والصلاح والزهد، فإذا رآهم قد أقبلوا عليه وأحبوه واعتقدوه أظهر لهم أنه قد عمي، ثم يظهر لهم بعد أيام أنه قد تكسح، فإذا سعوا في مداواته، قال لهم‏:‏ يا جماعة الخير، إنه لا ينفني شيء مما تفعلون‏.‏

ثم يظهر لهم بعد أيام أنه قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له‏:‏ إن شفاءك لا يكون إلا على يديّ القطب، وإنه سيقدم عليك في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني، وصفته كذا وكذا‏.‏

وقال له الحلاج‏:‏ إني سأقدم عليك في ذلك الوقت‏.‏

فذهب ذلك الرجل إلى تلك البلاد فأقام بها يتعبد، ويظهر الصلاح والتنسك ويقرأ القرآن‏.‏

فأقام مدة على ذلك فاعتقدوه وأحبوه، ثم أظهر لهم أنه قد عمي فمكث حيناً على ذلك، ثم أظهر لهم أنه قد زمن، فسعوا بمداواته بكل ممكن فلم ينتج فيه شيء، فقال لهم‏:‏ يا جماعة الخير هذا الذي تفعلونه معي لا ينتج شيئاً وأنا قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول لي‏:‏ إن عافيتك وشفاءك إنما هو على يديّ القطب، وإنه سيقدم عليك في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني، وكانوا أولاً يقودونه إلى المسجد ثم صاروا يحملونه ويكرمونه كان في الوقت الذي ذكر لهم، واتفق هو والحلاج عليه، أقبل الحلاج حتى دخل البلد مختفياً وعليه ثياب صوف بيض، فدخل المسجد ولزم سارية يتعبد فيه لا يلتفت إلى أحد، فعرفه الناس بالصفات التي وصف لهم ذلك العليل، فابتدروا إليه يسلمون عليه ويتمسحون به‏.‏

ثم جاؤوا إلى ذلك الزمن المتعافى فأخبره بخبره، فقال‏:‏ صفوه لي‏.‏

فوصفوه له فقال‏:‏ هذا الذي أخبرني عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وأن شفائي على يديه، اذهبوا بي إليه‏.‏

فحملوه حتى وضعوه بين يديه فكلمه فعرفه فقال‏:‏ يا أبا عبد الله إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام‏.‏

ثم ذكر له رؤياه، فرفع الحلاج يديه فدعا له ثم تفل من ريقه في كفيه ثم مسح بهما على عينيه ففتحهما كأن لم يكن بهما داء قط فأبصر، ثم أخذ من ريقه فمسح على رجليه فقام من ساعته، فمشى كأنه لم يكن به شيء والناس حضور، وأمراء تلك البلاد وكبراؤهم عنده، فضج الناس ضجة عظيمة وكبروا الله وسبحوه، وعظموا الحلاج تعظيماً زائداً على ما أظهر لهم من الباطل والزور‏.‏

ثم أقام عندهم مدة يكرمونه ويعظمونه ويودون لو طلب منهم ما عساه أن يطلب من أموالهم‏.‏

فلما أراد الخروج عنهم أرادوا أن يجمعوا له مالاً كثيراً فقال‏:‏ أما أنا فلا حاجة لي بالدنيا، وإنما وصلنا إلى ما وصلنا إليه بترك الدنيا، ولعل صاحبكم هذا أن يكون له إخوان وأصحاب من الأبدال الذين يجاهدون بثغر طرسوس، ويحجون ويتصدقون، محتاجين إلى ما يعينهم على ذلك‏.‏

فقال ذلك الرجل المتزامن المتعافى‏:‏ صدق الشيخ، قد ردّ الله عليّ بصري ومنّ الله عليّ بالعافية، لأجعلن بقية عمري في الجهاد في سبيل الله، والحج إلى بيت الله مع إخواننا الأبدال والصالحين الذين نعرفهم، ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 157‏)‏ ثم حثهم على إعطائه من المال ما طابت به أنفسهم‏.‏

ثم إن الحلاج خرج عنهم ومكث ذلك الرجل بين أظهرهم مدة إلى أن جمعوا له مالاً كثيراً ألوفاً من الذهب والفضة، فلما اجتمع له ما أراد ودعهم وخرج عنهم فذهب إلى الحلاج فاقتسما ذلك المال‏.‏

وروي عن بعضهم قال‏:‏ كنت أسمع أن الحلاج له أحوال وكرامات، فأحببت أن أختبر ذلك فجئته فسلمت عليه فقال لي‏:‏ تشتهي على الساعة شيئاً‏؟‏

فقلت أشتهي سمكاً طرياً‏.‏

فدخل منزله فغاب ساعة ثم خرج علي ومعه سمكة تضطرب ورجلاه عليهما الطين‏.‏

فقال‏:‏ دعوت الله فأمرني أن آتي البطائح لآتيك بهذه السمكة، فخضت الأهواز وهذا الطين منها‏.‏

فقلت‏:‏ إن شئت أدخلتني منزلك حتى أنظر ليقوى يقيني بذلك، فإن ظهرت على شيء وإلا آمنت بك‏.‏

فقال‏:‏ ادخل، فدخلت فأغلق علي الباب وجلس يراني‏.‏

فدرت البيت فلم أجد فيه منفذاً إلى غيره، فتحيرت في أمره ثم نظرت فإذا أنا بتأزيرة - وكان مؤزراً بازار ساج - فحركتها فانفلقت فإذا هي باب منفذ فدخلته فأفضى بي إلى بستان هائل، فيه من سائر الثمار الجديدة والعتيقة، قد أحسن إبقاءها‏.‏

وإذا أشياء كثيرة معدودة للأكل، وإذا هناك بركة كبيرة فيها سمك كثير صغار وكبار، فدخلتها فأخرجت منها واحدة فنال رجلي من الطين مثل الذي نال رجليه، فجئت إلى الباب فقلت‏:‏ افتح قد آمنت بك‏.‏

فلما رآني على مثل حاله أسرع خلفي جرياً يريد أن يقتلني‏.‏

فضربته بالسمكة في وجهه وقلت‏:‏ يا عدو الله أتعبتني في هذا اليوم‏.‏

ولما خلصت منه لقيني بعد أيام فضاحكني وقال‏:‏ لا تفش ما رأيت لأحد، وإلا بعثت إليك من يقتلك على فراشك‏.‏

قال‏:‏ فعرفت أنه يفعل إن أفشيت عليه فلم أحدث به أحداً حتى صلب‏.‏

وقال الحلاج يوماً لرجل‏:‏ آمن بي حتى أبعث لك بعصفورة تأخذ من ذرقها وزن حبة، فتضعه على كذا مناً من نحاس فيصير ذهباً‏.‏

فقال له الرجل‏:‏ آمن أنت بي حتى أبعث إليك بفيل إذا استلقى على قفاه بلغت قوائمه إلى السماء، وإذا أردت أن تخفيه وضعته في إحدى عينيك‏.‏

قال‏:‏ فبهت وسكت‏.‏

ولما ورد بغداد جعل يدعو إلى نفسه ويظهر أشياء من المخاريق والشعوذة وغيرها من الأحوال الشيطانية، وأكثر ما كان يروج على الرافضة لقلة عقولهم وضعف تمييزهم بين الحق والباطل‏.‏

وقد استدعى يوماً برئيس من الرافضة فدعاه إلى الإيمان به، فقال له الرافضي‏:‏ إني رجل أحب النساء، وإني أصلع الرأس، وقد شبت، فإن أنت أذهبت عني هذا وهذا، آمنت بك وأنك الإمام المعصوم، وإن شئت قلت إنك نبي، وإن شئت قلت أنك أنت الله‏.‏

قال‏:‏ فبهت الحلاج ولم يحر إليه جواباً‏.‏

قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي‏:‏ كان الحلاج متلوناً تارة يلبس المسوح، وتارة يلبس الدراعة، وتارة يلبس القباء، وهو مع كل قوم على مذهبهم‏:‏ إن كانوا أهل سنة أو رافضة أو معتزلة أو صوفية أو فساقاً أو غيرهم، ولما أقام بالأهواز جعل ينفق من دراهم يخرجها يسميها دراهم القدرة، فسئل الشيخ أبو علي الجبائي عن ذلك فقال‏:‏ إن هذا كله مما يناله البشر بالحيلة، ولكن أدخلوه بيتاً لا منفذ له ثم سلوه أن يخرج لكم جرزتين من شوك‏.‏

فلما بلغ ذلك إلى الحلاج تحول من الأهواز‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 158‏)‏

قال الخطيب‏:‏ أنبأ إبراهيم بن مخلد أنبأ إسماعيل بن علي الخطيب في تاريخه قال‏:‏ وظهر أمر رجل يقال له‏:‏ الحلاج الحسين بن منصور، وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به، وذلك في وزارة علي بن عيسى الأولى، وذكر عنه ضروب من الزندقة ووضع الحيل على تضليل الناس، من جهات تشبه الشعوذة والسحر، وادعاء النبوة، فكشفه علي بن عيسى عند قبضه عليه وأنهى خبره إلى السلطان - يعني الخليفة المقتدر بالله - فلم يقر بما رمي به من ذلك فعاقبه وصلبه حياً أياماً متوالية في رحبة الجسر، في كل يوم غدوة، وينادى عليه بما ذكر عنه، ثم ينزل به ثم يحبس‏.‏

فأقام في الحبس سنين كثيرة ينقل من حبس إلى حبس، خوفاً من إضلاله أهل كل حبس إذا طالت مدته عندهم، إلى أن حبس آخر حبسة في دار السلطان، فاستغوى جماعة من غلمان السلطان وموه عليهم واستمالهم بضروب من الحيل، حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه ويرفهونه بالمآكل المطيبة، ثم راسل جماعة من الكتاب وغيرهم ببغداد وغيرها، فاستجابوا له وترقى به الأمر إلى أن ادعى الربوبية، وسعى بجماعة من أصحابه إلى السلطان فقبض عليهم ووجد عند بعضهم كتب تدل على تصديق ما ذكر عنه، وأقر بعضهم بذلك بلسانه، وانتشر خبره وتكلم الناس في قتله‏.‏

فأمر الخليفة بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمره أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه، فجرى في ذلك خطوب طوال، ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر عنه، وثبت ذلك على يد القضاة وأفتى به العلماء فأمر بقتله وإحراقه بالنار‏.‏

فأحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي في يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة، فضرب بالسياط نحواً من ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، ثم ضربت عنقه، وأحرقت جثته بالنار، ونصب رأسه للناس على سور الجسر الجديد وعلقت يداه وجلاه‏.‏

وقال أبو عبد الرحمن بن الحسن السلمي‏:‏ سمعت إبراهيم بن محمد الواعظ يقول‏:‏ قال أبو القاسم الرازي، قال أبو بكر بن ممشاذ‏:‏ حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فما كان يفارقها ليلاً ولا نهاراً، فأنكروا ذلك من حاله ففتشوا مخلاته فوجدوا فيها كتاباً للحلاج، عنوانه‏:‏ ‏(‏من الرحمن الرحيم إلى فلان ابن فلان‏)‏ - يدعوه إلى الضلالة والإيمان به - فبعث بالكتب إلى بغداد فسئل الحلاج عن ذلك فأقر أنه كتبه فقالوا له‏:‏ كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الألوهية والربوبية‏؟‏

فقال‏:‏ لا ولكن هذا عين الجمع عندنا‏.‏

هل الكاتب إلا الله وأنا واليد آلة‏؟‏

فقيل له‏:‏ معك على ذلك أحد‏؟‏

قال‏:‏ نعم ابن عطاء وأبو محمد الحريري وأبو بكر الشبلي‏.‏

فسئل الحريري عن ذلك فقال‏:‏ من يقول بهذا كافر‏.‏

وسئل الشبلي عن ذلك فقال‏:‏ من يقول بهذا يمنع‏.‏

وسئل ابن عطاء عن ذلك فقال‏:‏ القول ما يقول الحلاج في ذلك‏.‏

فعوقب حتى كان سبب هلاكه‏.‏

ثم روى أبو عبد الرحمن السلمي عن محمد بن عبد الرحمن الرازي‏:‏ أن الوزير حامد بن العباس لما أحضر الحلاج سأله عن اعتقاده فأقر به فكتبه، فسأل عن ذلك فقهاء بغداد فأنكروا ذلك وكفروا من اعتقده، فكتبه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 159‏)‏

فقال الوزير‏:‏ إن أبا العباس بن عطاء يقول بهذا‏.‏

فقالوا‏:‏ من قال بهذا فهو كافر‏.‏

ثم طلب الوزير ابن عطاء إلى منزله فجاء فجلس في صدر المجلس، فسأله عن قول الحلاج فقال‏:‏ من لا يقول بهذا القول فهو بلا اعتقاد‏.‏

فقال الوزير لابن عطاء‏:‏ ويحك تصوب مثل هذا القول وهذا الاعتقاد‏؟‏

فقال ابن عطاء‏:‏ ما لك ولهذا، عليك بما نصبت له من أخذ أموال الناس وظلمهم وقتلهم، فما لك ولكلام هؤلاء السادة من الأولياء‏.‏

فأمر الوزير عند ذلك بضرب شدقيه ونزع خفيه وأن يضرب بهما على رأسه، فما زال يفعل به ذلك حتى سال الدم من منخريه، وأمر بسجنه‏.‏

فقالوا له‏:‏ إن العامة تستوحش من هذا ولا يعجبها‏.‏

فحمل إلى منزله، فقال ابن عطاء‏:‏ اللهم اقتله واقطع يديه ورجليه‏.‏

ثم مات ابن عطاء بعد سبعة أيام، ثم بعد مدة قتل الوزير شر قتلة، وقطعت يداه ورجلاه وأحرقت داره‏.‏

وكان العوام يرون ذلك بدعوة ابن عطاء على عادتهم في مرائيهم فيمن أوذي ممن لهم معه هوى‏:‏ بل قد قال ذلك جماعة ممن ينسب إلى العلم فيمن يؤذي ابن عربي أو يحط على حسين الحلاج أو غيره‏:‏ هذا بخطيئة فلان‏.‏

وقد اتفق علماء بغداد على كفر الحلاج وزندقته، وأجمعوا على قتله وصلبه، وكان علماء بغداد إذ ذاك هم الدنيا‏.‏

قال أبو بكر محمد بن داود الظاهري حين أحضر الحلاج في المرة الأولى قبل وفاة أبو بكر هذا وسئل عنه فقال‏:‏ إن كان ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم حقاً وما جاء به حقاً، فما يقوله الحلاج باطل‏.‏

وكان شديداً عليه‏.‏

وقال أبو بكر الصولي‏:‏ قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيته جاهلاً يتعاقل، وغبياً يتبالغ، وخبيثاً مدعياً، وراغباً يتزهد، وفاجراً يتعبد‏.‏

ولما صلب في أول مرة ونودي عليه أربعة أيام سمعه بعضهم وقد جيء به ليصلب وهو راكب على بقرة يقول‏:‏ ما أنا بالحلاج، ولكن ألقي علي شبهه وغاب عنكم، فلما أدني إلى الخشبة ليصلب عليها سمعته وهو مصلوب يقول‏:‏ يا معين الفنا علي أعني على الفنا‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ سمعته وهو مصلوب يقول‏:‏ إلهي أصبحت في دار الرغائب، أنظر إلى العجائب، إلهي إنك تتودد إلى من يؤذيك فكيف بمن يؤذى فيك‏.‏